من إعداد الباحثة القانونية: أميمة لعروسي باحثة في قوانين العقود والعقارات
مقدمة
شهد العالم في العقود الثلاثة الأخيرة ثورة معلوماتية لم يسبق لها مثيل في التكنولوجيا، كما صاحبها تطور كبير ومتسارع في شبكة الإتصالات الرقمية، اختصرت المكان والزمان وألغت الحدود الجغرافية بين الدول.
فقد مست هذه الثورة كافة جوانب الحياة، مما نتج عنه ظهور مفاهيم جديدة أهمها مفهوم التجارة الإلكترونية، هذا الأخير الذي سرعان ما ذاع وانتشر في شتى المجالات الإقتصادية والاجتماعية والقانونية.
ويمكن تعريف التجارة الإلكترونية بأنها الأعمال والأنشطة التجارية التي تتم ممارستها من خلال الشبكة المعلوماتية (الإنترنت) وقد عرفتها منظمة التجارة الدولية أنها إنتاج وتسويق وبيع وتوزيع منتوجات من خلال شبكات الإتصال، وقد تطورت التجارة الإلكترونية كثيراً بسبب التقدم الحاصل في الإتصالات.
وقد إتجه الناس في الأونة الأخيرة الى استخدام الإنترنت في إبرام عقودهم المدنية والتجارية، سواء تعلقت بالسلع أو بالخدمات بحيث أصبح التعاقد عن طريق الإنترنت ظاهرة منتشرة، وهو الوضع الذي حتّم على مختلف الدول التدخل لخلق تشريعات تكون جديرة بتنظيم وضبط المعاملات والتجارة الإلكترونية مواكبة منها لهذه الثورة الرقمية والتفاعل معها.
وعلى غرار العديد من التشريعات المقارنة تدخل المشرع المغربي مستجيباً لمتطلبات التطور، فأصدر قانوناً نظم بمقتضاه التبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية بموجب القانون رقم 05-53، الذي شمل عدة موضوعات تخص التجارة الإلكترونية، سواء من حيث الإثبات بين الوثائق المحمولة على دعامة ورقية والوثائق المحمولة على دعامة إلكترونية، وكيفية إبرام العقود الإلكترونية، وتشفير البيانات، والتوقيع الإلكتروني، والمصادقة الإلكترونية وغيرها.
وتجدر الإشارة إلى أن دراسة موضوع التعاقد الإلكتروني لها أهمية بالغة، فمن جهة ستمكننا من التطرق لمفهوم المحرر الإلكتروني وكافة العناصر المكونة له، وكذا الشروط الواجب توفرها فيه، ومن ناحية ثانية ستوضح لنا كيفية المصادقة على هذا المحرر ومدى قوته الثبوتية.
ويثير هذا الموضوع إشكالية رئيسية تتمحور حول مدى توفق المشرع المغربي في تنظيم التعاقد الإلكتروني والعقد المبرم بمناسبته خاصة؟
ولدراسة هذا الموضوع وتحليله ارتأيت تقسيمه لمطلبين:
- المطلب الأول: مفهوم وشروط المحرر الإلكتروني
- المطلب الثاني: صور التوقيع الإلكتروني وقوته الثبوتية
المطلب الاول: مفهوم وشروط المحرر الالكتروني
نتيجة استخدام الإنترنت وتطوره ظهرت العديد من العقود والمعاملات الإلكترونية، الأمر الدي أحدث قلقا تشريعياً على المستوى الدولي وعلى المستوى الوطني على حد سواء، ما دفع هده التشريعات إلى إعادة النظر في أنظمتها التقليدية وهذا الأمر يعتبر ضرورة ملحة أمام الثورة المعلوماتية التي غزت جميع المجالات، والتي أتت بأساليب حديثة لم يكن متعارف عليها في المجال التعاقدي من قبل.
إذن لفهم العقد المبرم بشكل إلكتروني وجب علينا التطرق لمفهوم هذا المحرر (الفقرة الأولى)، وكذا شروط صحته (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: مفهوم المحرر الإلكتروني
يعتبر العقد الإلكتروني من التصرفات القانونية المستحدثة التي ظهرت مع التطور التكنولوجي، نتيجة إستخدام وسائل التواصل عن بعد وخاصة الإنترنت، فما هو المحرر الإلكتروني؟
بالرجوع إلى القانون رقم 53.05[1] المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية، يتبين لنا أن المشرع المغربي لم يعرف العقد الإلكتروني، عكس بعض التشريعات الأخرى التي قامت بتعريفه، ومن بينها المشرع الجزائري الذي عرفه بأنه: “العقد الإلكتروني، هو العقد بمفهوم القانون رقم 04-02 المؤرخ في 5 جمادى الأولى 1425 الموافق ل 23 يونيو 2004 الذي يحدد القواعد المطبقة على الممارسات التجارية، ويتم إبرامه عن بعد، دون الحضور الفعلي والمتوازن لأطرافه باللجوء لتقنية الإتصال الإلكتروني.”[2]
وبالرجوع الى نص المادة الثانية نجدها تعرف العقد بانه: “كل إتفاق أو إتفاقية تهدف إلى بيع سلعة أو تأدية خدمة، حرر مسبقاً من أحد أطراف الإتفاق مع إذعان الطرف الأخر بحيث لا يمكن لهذا الأخير إحداث تغير حقيقي فيه….”[3].
أما بالنسبة للمشرع التونسي فقد عرفه بأنه: “العقود الإلكترونية يجري عليها نظام العقود الكتابية فيما لا يتعارض مع أحكام القانون”[4].
من خلال هذا النص نستنتج أن المشرع التونسي لم يميز بين العقد التقليدي والعقد الإلكتروني لأن كلاهما إتفاق بين الطرفين من أجل إحداث أثر قانوني.
وقد ورد في مشروع قانون التجارة الإلكترونية المصري تعريف العقد الالكتروني بأنه: “كل عقد تصدر منه إرادة الطرفين أو كليهما أو يتم التفاوض بشأنه أو تبادل وثائقه كلياً او جزئياً عبر وسيط إلكتروني.”[5]
فإذا كان العقد الإلكتروني هو إتفاق بين طرفي العقد من خلال تلاقي الإيجاب والقبول عن طريق إستخدام الشبكة المعلوماتية بقصد إنشاء إلتزامات تعاقدية، فإن اكتسابه صفة المحرر الرسمي يشترط أن يكون موقعاً توقيعاً إلكترونياً وأن يتم المصادقة عليه من لدن السلطات المختصة.
والتوقيع الإلكتروني هو مجموعة من الإجراءات والوسائل التقنية التي تتيح إستخدامها عن طريق الرموز أو الأرقام التي تسمح بتحديد شخصية من تصدر عنه هذه الإجراءات وقبوله بمضمون التصرف الذي يصدر التوقيع بمناسبته.
والمشرع المغربي لم يقم بتعريف هذا الأخير -التوقيع الإلكتروني- وهذا أمر محمود بحيث أن مهمة التعاريف هي موكولة للفقه لا للتشريع على عكس بعض التشريعات التي أعطت
تعريفاً للتوقيع الإلكتروني كما هو الشأن بالنسبة للمشرع الفرنسي الذي عرف التوقيع الإلكتروني بأنه، التوقيع ضروري لإكتمال التصرف القانوني والذي يحدد هوية من يحتج به عليه، ويعبر عن رضى الأطراف بالإلتزامات الناشئة عن هذا التصرف، وعندما يكون التوقيع إلكترونياً ينبغي إستخدام وسيلة آمنة لتحديد الشخص[6].
يتضح لنا ان المشرع الفرنسي قد وضع مفهوماً موسعاً للتوقيع الإلكتروني ولم يفرق بين التوقيع التقليدي والإلكتروني، حيث يكون لكل منهما نفس الحجية القانونية على مستوى الاثبات، طالما كان هذا التوقيع يميز صاحبه، ويتم باجراءات آمنة تضمن سرية بيانات هذا التوقيع.
كما أن المشرع المصري عرفه بأنه “ما يوضع على المحرر الإلكتروني ويتخذ شكل حروف أو أرقام أو رموز أو إشارات أو غيرها ، ويكون له طابع منفرد يسمح بتحديد شخص الموقع ويميزه عن غيره”[7].
أما القضاء المقارن فقد كان له دور كذلك في تعريف التوقيع الإلكتروني، إذ يعد القرار الصادر عن محكمة الإستئناف بمونبلييه في 09/04/1987 أول قرار أبان عن الصعوبات التي يمكن أن تثيرها الإعلاميات في مجال الاثبات.[8]
فكيفما كان شكل التوقيع يجب أن يكون آمنا من كل تحريف، ولضمان ذلك لابد من خلق حماية تقنية وأخرى قانونية.
ولكي يكون هذا التوقيع صحيحاً يجب المصادقة عليه لدى الجهات المعنية، فقد حظيت التعاملات الإلكترونية بأهمية قصوى ويبقى الهاجس الأبرز في هذا النوع من التعاملات هو افتقارها لعنصري الأمان والثقة، ونظراً لأهمية التعاملات الإلكترونية وتشجيعا لإنتشارها وبث الثقة فيها فقد تظافرت الجهود الدولية والوطنية لتذليل ما يعتريها من عقبات والعمل على تهيئة البنية القانونية، التي تتماشى مع هذه التعاملات سواء من حيث إنجازها أو من حيث المصادقة عليها وإثباتها.
ولتحديد هوية المتعاملين وكذا حقيقة التعامل ومضمونه، فقد استلزم ذلك وجود طرف ثالث محايد موثوق به، يقوم بطريقته الخاصة بالتأكد من صحة صدور الإرادة التعاقدية الإلكترونية ممن تنسب إليه، لذلك تناول قانون 05-53 موضوع المصادقة على التوقيع الإلكتروني من خلال أشخاص ثلاثة، السلطة الوطنية المكلفة بإعتماد ومراقبة المصادقة الإلكترونية ومقدمو خدمات المصادقة الإكترونية وصاحب الشهادة الإلكترونية.
بالإضافة الى المصادقة على التوقيع، يجب توافر مجموعة من الشروط للإعتداد بالمحررات في الإثبات، كيفما كانت الدعامة المستعملة، ورقية كانت أو إلكترونية أو غير ذلك من الدعامات، التي قد تظهر في المستقبل إعمالاً لذلك فالمحررات الإلكترونية كي يعترف بقيمتها في إثبات التصرفات القانونية، يجب أن تتوفر فيها ثلاث شروط أساسية، وهي نفسها المشترطة في المحررات العادية وهي ما سوف اتناولها في الفقرة الموالية.
الفقرة الثانية: شروط المحرر الإلكتروني
يشترط في المحرر الإلكتروني أن يكون قابلاً للقراءة ومستمراً دائما ومحفوظاً من كل تعديل أو تحريف.
أولاً: قابلية الكتابة الإلكترونية للقراءة
بالرجوع إلى المحررات الإلكترونية نجدها مدونة بلغة الآلة التي يعتمد في كتابتها على الإشارات والرموز والأرقام التي لا يمكن للإنسان قراءتها، وإنما يتعين إدخال هذه المعلومات للحاسوب الإلكتروني الذي يقوم بترجمة هذه المعلومات إلى لغة مفهومة لدى الانسان، ومن بين التشريعات التي أشارت إلى هذا الشرط نجد المشرع الفرنسي[9]، حيث اشترط في الرموز والإشارات المستعملة في الكتابة الإلكترونية أن تكون مفهومة وواضحة.
وبالتالي فالإشارات والرموز غير المفهومة والتي لا يستوعبها الإنسان ولو بواسطة جهاز الحاسوب ولا تعبر عن مضمون الإلتزام بشكل واضح، لا تصلح أن تكون كتابة إلكترونية تشكل المحرر الإلكتروني المعتد به في إثبات التصرفات القانونية.
ثانيا: إستمرارية ودوام الكتابة الإلكترونية
إذا كانت المحررات الورقية تتوفر على هذا الشرط بالنظر لطبيعتها فإن استخدام المحررات الإلكترونية يثير إشكالا هاماً حول مدى تحقق شرط الإستمرارية فيها؟ بالنظر إلى طبيعتها غير المادية التي تقوم عليها. فالكتابة الإلكترونية لتكون دليلاً يعتد به في إثبات الحقوق والتصرفات القانونية، لا بد من أن يتوفر فيها شرط الإستمرارية، وبطبيعة الحال فأي حجة وأي دليل كيفما كان نوعه وطريقة تحريره ومهما كانت دعامته، إن لم يكن مستمراً في الزمن لا قيمة له من الناحية القانونية، لأن الدليل الكتابي مثلاً لا نستطيع أن نحدد متى سنحتاج إليه، لأنه وجد أصلاً لحالة وقوع نزاع بين أطراف التصرف القانوني ولإثبات حق معين إذ اعتدي عليه. إلا أن
التطورات التقنية في مجال نقل وتبادل وحفظ المعطيات القانونية أخذت أشكالا متنوعة وتطورت عبر الزمن.
مما يجعل هذه التخوفات من إندثار المحرر الإلكتروني مستبعدة وإن كانت غير مستحيلة، إذ أن الوسائل المستخدمة بشأن الحفاظ على المعلومات والبيانات الإلكترونية أصبحت بمقدورها أن تحافظ على المحررات الإلكترونية وتجعلها تتصف بالديمومية والإستمرارية وربما أكتر من الكتابة الخطية.[10]
ثالثا: حفظ المحررات الإلكترونية من كل تعديل أو تحريف
يجب أن يكون المحرر الإلكتروني مقاوماً لأي محاولة للتعديل أو التحريف في مضمونه سواء بالإضافة أو الحذف، حتى يكون مصدر ثقة وأمان.
فإذا كانت المحررات الورقية قد وضعت لها قواعد تضمن سلامتها، إضافة إلى كونها محررة بطريقة يسهل معه كشف أي تحريف وقع فيها سواء بالعين المجردة أو بالخبرة الفنية، حيث لا يتم التغيير إلا بإتلاف الدليل أو ترك أثر عليه، فإن المحرر الإلكتروني عكس ذلك فقد يتعرض للتغيير والتحريف دون أن يترك أي أثر لذلك، ما عدا البيان الذي يسجله الحاسوب والمتعلق بزمن وتاريخ التغيير،[11] لذلك تم إبتكار وسائل متطورة تجعل من المحرر الإلكتروني مجرد رموز وإشارات غير مفهومة وغير واضحة، بحيث لا يستطيع أحد المساس بها أو كشف محتواها إلا لمن يتوفر على المفتاح الخاص بذلك، وهذه التقنية هي المسماة بتقنية التشفير، والتي تقف في وجه أي تغيير قد يلحق المحرر، حيث نص عليها المشرع في المادة 12 من القانون رقم 05-53، إذ اعتبر التشفير وسيلة من وسائل سلامة تبادل المعطيات القانونية بطريقة إلكترونية أو تخزينها أو هما معا.
إذن يمكننا القول بأن المحررات الإلكترونية شأنها شأن المحررات العادية تتوفر فيها شروط الأمان والثقة.
المطلب الثاني: صور التوقيع الإلكتروني وقوته الثبوتية
تطرقنا بداية إلى مفهوم وشروط المحرر الإلكتروني ولمزيد من البحث فيه سندرس الصور الثلاثة للتوقيع الإلكتروني في الفقرة الأولى على أن نتطرق لحجية المحرر الإلكتروني في الفقرة الثانية.
الفقرة الأولى: صور التوقيع الإلكتروني
يعتبر التوقيع الإلكتروني أهم وسيلة لتحديد هوية الشخص، ولحماية العقد من أي إعتداء يمكن أن يمارس على هذه التصرفات التي أبرمت بإستخدام وسائل إلكترونية، لذلك له عدة تطبيقات مختلفة، فكما للتوقيع العادي عدة صور منها الإمضاء، خط اليد، الختم، أو ببصمة الأصبع، فللتوقيع الإلكتروني أيضا عدة صور تختلف وتتباين فيما بينها من حيت درجة الثقة ومستوى ما تقدمه من ضمان، ومن صور التوقيع الإلكتروني نجد: التوقيع الرقمي، التوقيع البيومتري، التوقيع بالقلم الإلكتروني.
أولا: التوقيع بالقلم الإلكتروني
يقوم هذا التوقيع على نفس الخاصية التي يقوم عليها التوقيع التقليدي، حيث يقوم الشخص بكتابة توقيعه بإستخدام قلم إلكتروني خاص على شاشة الحاسوب الالكتروني، وذلك بمساعدة برنامج خاص.
ثانيا: التوقيع البيومتري
التوقيع البيومتري يقوم على أساس التحقق من شخصية المتعامل بالإعتماد على الخواص الذاتية المميزة للإنسان وعلى الصفات الجسمانية للافراد مثل: البصمة الشخصية، قزحية العين، التعرف على الوجه البشري، خواص اليد البشرية، التحقق من نبرة الصوت…، ويتم التأكد من شخصية المتعامل عن طريق إدخال المعلومات للحاسوب أو الوسائل الحديثة ،بعد تجهيز نظم المعلومات بالوسائل البيومترية، بحيث تسمح بتخزين هذه الصفات على جهاز الحاسوب، وذلك عن طريق التشفير.
وعلى الرغم من ان هده الوسيلة تعمل على تمييز الشخص وتحديد هويته ،إلا أن هذا التوقيع يظل عاجز وغير فعال لتحقيق الثقة الكاملة والأمان لأنها معرضة لقرصنة الحاسوب أو فك رموز التشفير ،كتقليد بصمات الاصابع باستخدام بصمات بلاستيكية مقلدة أو صناعة قزحية عين مشابهة لقزحية العين المشفرة، وغيرها من طرق التقليد، وعليه فإن هذا التوقيع لا يحقق الأمان والثقة المطلوبة.
ثالثا: التوقيع الرقمي
يعتبر التوقيع الرقمي وهو من أبرز أنواع التوقيع الالكتروني، وبموجب هذا الشكل من التوقيع يتم توثيق المراسلات والتعاملات الالكترونية، وذلك بإستخدام مجموعة من الأرقام أو الحروف أو إستخدامها معا، إذ يختارها صاحب المراسلة، ويسمى أيضا (بالتوقيع الكودي أو السري) إذ يكون عبارة عن منظومة بيانات في صورة شفرة .
الفقرة الثانية: القوة الثبوتية للمحرر الموقع إلكترونياً
تتميز المحررات الإلكترونية بكونها محررة بلغة رقمية والتي تكون إما في محرر رسمي أو عرفي، فنظراً لكثرة المعاملات الإلكترونية وتطور وسائل الإتصال الحديثة كان لزاما إيجاد نصوص قانونية تكفل الإستفادة من هذه الوسائل وتقنن القوة الثبوتية لهذه الأخيرة، لذلك تم تكريس مبدأ حجية التوقيع الإلكتروني والكتابة الإلكترونية المقترنة به بتوافر شروط معينة لإمكانية قبولها كدليل أمام القضاء.
فلكي تكتسب الوثيقة الإلكترونية العرفية حجيتها في الإثبات يشترط فيها أن تستوفي شروط الفصليين417-[12]1 و 417-2[13] من قانون الإلتزامات والعقود وهي: التعريف بالشخص الذي صدرت عنه وأن تكون معدة ومحوفضة ضمن شروط تضمن تماميتها وأن تحمل توقيعاً مؤمناً بالاضافة إلى أن تحمل تاريخاً ناتجاً عن التوقيع الإلكتروني.
أما بالنسبة للوثيقة الإلكترونية الرسمية، فكما هو معلوم أن المحرر الرسمي يتم تحريره من طرف الموثقون أو العدول، الأمر الذي يضفي عليها القوة الثبوتية، فإذا كان قانون 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية قد إعتراف بالكتابة الإلكترونية كشكلية لإنعقاد التصرفات القانونية في حدود معينة، فإنه قد أحال الفصل 2-1 من ق.ل.ع. بشأنها على المقتضيات التي خص بها الوثيقة الإلكترونية كوسيلة للإثبات والتي ضمنها في الفصول 417 وما بعده من ق.ل.ع. حيث جعلها مساوية للوثيقة المحررة على الورق سواء كانت مطلوبة للإنعقاد أو للإثبات فقط.
أما بالنسبة للتشريعات المقارنة فنجد المشرع المصـري نص فـي قــانون التوقيع الإلكترونـي فــي المــادة 15 علـى أنه : ” للكتابـــــة الإلكترونیـة والمحررات الإلكترونیـة، فـي نطـاق المعـاملات المدنیـة والتجاریـة والإداریـة ذات الحجیـة المقـــررة للكتابـــة و المحررات الرســـمیة و العرفیـــة فـــي أحكـــام قـــانون الإثبـــات فـــي المـــواد المدنیـــة والتجاریة، متى استوفت الشروط المنصوص علیها في هذا القانون وفقـاً للضـوابط الفنیـة والتقنیـة التـي تحددها اللائحة التنفیذية لهـذا القـانون”.
أما المشــرع الجزائـري نـص فـي المـادة 323 مكــرر 1 علــى أنه: “یعتبـــر الإثبـــات بالكتابـــة فـــي الشـــكل الإلكتروني كالإثبـات بالكتابـة علـى الـورق، بشـرط إمكانیـة التأكـد مـن هویـة الشـخص الـذي أصـدرها أن تكون معدة ومحفوظة في ظروف تضمن سلامته”.[14]
نسـتنتج مـن هـذا الـنص أن المشـرع الجزائـري كـرس مبـدأ التعـادل الوظيفي بـين الكتابـة علـى الشـكل الإلكتروني والكتابة على الـورق، وهـو تأكیـد علـى المسـاواة بـين الكتابـة التقليدية والكتابـة الإلكترونیـة، أي لهمـا نفـس الأثـر والفعالية مـن حیـث الحجية وصـحة الإثبـات.
وصفوة القول أن للمحرر الإلكتروني حجية تضاهي حجة المحرر الرسمي إذا استجمع شروطه وأركانه المتطلبة قانوناً، ونستدل في ذلك بواقعة شراء أحد لاعبي كرة القدم لجزيرة بأكملها بواسطة عقد إلكتروني. كما أن المشرع المغربي قد إعترف به وأقر بحجيته القاطعة، إلا أنه استثنى توثيق بعض العقود التي لا يمكن إنعقادها إلكترونيا بالنظر إلى قيمتها المعنوية والدينية مثل عقود الزواج والتصرفات الواردة على العقارات.
[1] – ظهير شريف رقم 129/07/1 الصادر في 19 من ذي القعدة 1428 (30 نوفمبر 2007) بتنفيذ القانون رقم 05-53 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية.
[2] -المادة 6 من القانون رقم 18.05 المتعلق بالتجارة الإلكترونية الجزائرية.
[3]– قانون رقم 04/02 المؤرخ في 23 يونيو 2004، يحدد القواعد المطبقة على الممارسات التجارية، الصادر في 27/04/2004 المعدل والمتمم بالقانون رقم 10/06 مؤرخ في 21/08/2010 الصادر في 23/08/2010.
[4] – الفصل الأول من القانون رقم 83 المؤرخ في 09/08/2000، يتعلق بالمبادلات والتجارة الإلكترونية، التونسي.
[5] – الفصل 3 من مشروع قانون التجارة الإلكترونية المصرية.
[6]– Article 1316-4 du code civil : ” La signature nécessaire à la perfection d’un acte juridique identifie celui qui l’appose. Elle manifeste le consentement des parties aux obligations qui découlent de cet acte. Quand elle est apposée par un officier public, elle confère l’authenticité à l’acte.
Lorsqu’elle est électronique, elle consiste en l’usage d’un procédé fiable d’identification garantissant son lien avec l’acte auquel elle s’attache. La fiabilité de ce procédé est présumée, jusqu’à preuve contraire, lorsque la signature électronique est créée, l’identité du signataire assurée et l’intégrité de l’acte garantie, dans des conditions fixées par décret en Conseil d’Etat.”
[7] – قانون التوقيع الإلكتروني، المصري رقم 15 لعام 2004، المادة الأولى منه.
[8] – صليحة حاجي، الإثبات الرقمي، الطبعة الأولى، مطبعة دار الرشاد، سطات، 2015، ص51.
[9] – Article 1316-4 du code civil .
[10] – حسن جميعي، إثباث التصرفات القانونية التي يتم إبرامها عن طريق الإنترنت، دار النهضة العربية، 2005، ص 65.
[11] – فوغالي بسمة، إثبات العقد الإلكتروني وحجيته في ظل عالم الإنترنت، بحث لنيل شهادة الماجستير، تخصص قانون الأعمال، كلية الحقوق والعلوم السياسية ،جامعة محمد لمين دباغيين. السنة الجامعية 2014/2015، ص 98.
[12] – ينص الفصل 1- 417 من قانون الإلتزامات والعقود على: “تتمتع الوثيقة المحررة على دعامة إلكترونية بنفس قوة الإثبات التي تتمتع بها الوثيقة المحررة على الورق.
تقبل الوثيقة المحررة بشكل إلكتروني للإثبات، شأنها في ذلك شأن الوثيقة المحررة على الورق، شريطة أن يكون بالإمكان التعرف، بصفة قانونية، على الشخص الذي صدرت عنه وأن تكون معدة ومحفوظة وفق شروط من شأنها ضمان تماميتها”.
[13] – ينص الفصل 2- 417 من قانون الإلتزامات والعقود على: “يتيح التوقيع الضروري لإتمام وثيقة قانونية التعرف على الشخص الموقع ويعبر عن قبوله للإلتزامات الناتجة عن الوثيقة المذكورة.
تصبح الوثيقة رسمية إذا وضع التوقيع المذكور عليها أمام موظف عمومي له صلاحية التوثيق.
عندما يكون التوقيع إلكترونيا، يتعين استعمال وسيلة تعريف موثوق بها تضمن إرتباطه بالوثيقة المتصلة به”.
[14] – القانوني المدني الجزائري، المؤرخ في 20/06/2005